لا جديد في اليمن. الاحتجاجات مستمرة في الميادين الرئيسية في المدن، الرئيس علي عبدالله صالح في قصره في صنعاء مثلما كان عليه الحال طوال السنوات الثلاثين الماضية. والمبادرة الخليجية مازالت تراوح مكانها، اي ان دار ابو سفيان مازالت على حالها. واذا كان هناك جديد، فهو ان ابا الهول اليمني، ونقصد السيد عبد ربه منصور هادي نائب الرئيس الذي عاش في الظل لعقود، قد نطق اخيراً، وأعرب عن تذمره في الغرف المغلقة، وليس علانية، من تدخل الرئيس وأفراد اسرته في ادارته للمرحلة الانتقالية التي تتمثل في افساح المجال لحكومة الوحدة الوطنية لممارسة عملها، والاعداد لانتخابات رئاسية لانتخاب رئيس بديل.
السيد منصور هادي جرى الاتيان به الى منصب نائب الرئيس ليس من اجل ان يشتكي او يتذمر، وانما من اجل ان يصمت، ويكون واجهة ديكورية لا اكثر ولا اقل، ولهذا فانه بتهديداته بمغادرة البلاد، اذا لم تتوقف التدخلات في شؤونه يكون قد عرض نفسه لمخاطر عديدة، قد يكون أبرزها تهديد حياته.
الرئيس علي عبد الله صالح باصراره على البقاء في اليمن وعدم ترك المسرح السياسي لافساح المجال امام المساعي الرامية الى تطبيق بنود المبادرة الخليجية بحجة مطالبة قيادات حزبه الحاكم البقاء للاشراف على الحملة الانتخابية الرئاسية والبرلمانية لمرشحي حزبه، يريد ان يقول بانه سيظل في السلطة طالما بقي حياً، سواء كرئيس حقيقي او شرفي، ومثلما وصل الى كرسي الحكم بالسيف فلن يغادره الا به، فهو ليس من صنف الرجال الذي ينهزم بسهولة، هذه هي الرسالة التي يريد ايصالها للجميع هذه الايام. اما ان يغادر عبر مبادرة خليجية، او صناديق اقتراع، فهذا ليس تقليداً يمنياً على اي حال. والرجل اتفقنا معه او اختلفنا، مازال يتمتع ببعض التأييد، ويستطيع تجييش الانصار.
هناك رواية تقول ان الرئيس اليمني كان يريد فعلاً مغادرة البلاد لبضعة ايام او اسابيع الى الولايات المتحدة بهدف العلاج والنقاهة، ولكن الادارة الامريكية رفضت طلبه بالحصول على تأشيرة دخول كرئيس، وعرضت تأشيرة زيارة لمواطن عادي، الامر الذي رفضه الرئيس صالح، وقرر البقاء في اليمن. ثم جاء تصريح رئيسة مجلس حقوق الانسان العالمي الذي يرفض الحصانة التي وفرتها اتفاقية الطائف له وللمقربين منه من اي اجراءات قضائية باعتبارها تتناقض مع قوانين المجلس المذكور، لتدفعه لتغيير رأيه، والعودة الى المربع الأول، مربع ما قبل المبادرة الخليجية، ولو كان ينوي فعلاً التخلي عن منصبه، والبقاء في المنفى، لما غادر المملكة العربية السعودية عائداً بعد اكتمال علاجه من الجروح التي لحقت به من جراء عملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفته.
المناورة من اجل كسب الوقت، والمزيد منه هي العقيدة التي يؤمن بها الرئيس صالح، ويملك خبرة طويلة في ممارستها بنجاح منقطع النظير، حتى لو تسبب ذلك في اطالة عمر معاناة الشعب اليمني من جراء انهيار اقتصاد البلاد، وحالة الاحباط التي يعيشها بسبب اطالة عمر انتفاضته التي تعتبر الاطول في تاريخ الانتفاضات العربية من اجل التغيير الديمقراطي.
لا نعرف النهاية التي سينتهي اليها الوضع في اليمن، ولكن كل ما نعرفه ان تهديدات نائب الرئيس بالمغادرة لن تعطي مفعولها من حيث وقف التدخلات التي تعرقل مهمته في ترتيب انتقال سلمي للسلطة. ولا نبالغ اذا قلنا ان الرئيس علي عبد الله صالح يريده ان ييأس ويغادر البلاد مثل بعض المسؤولين الآخرين الذين فضلوا اللجوء الى المنافي والمعارضة من الخارج، مثل علي سالم البيض وابو بكر العطاس وعبد الله الاصنج وغيرهم الكثير.
السيد عبد ربه هادي منصور لا يملك جيشاً، ولا يتحكم باجهزة امنية، كما انه ليس ابن قبيلة كبرى في البلاد، وانما هو شخص يملك خبرة عسكرية لا تعني الكثير في بلد يحتكم الى القبلية ويأتمر بأمرها، ويرضخ لنفوذها. ولذلك قد تكون ايامه معدودة تماماً مثل ايام المبادرة الخليجية التي يحاول جاهداً تطبيقها.
الرئيس علي عبد الله صالح لم يقبل بالمبادرة الخليجية حتى يطبقها، ويحتكم لبنودها حتى لو وقعها فعلاً، ما يريده هو ان يستمر نظام حكمه في السلطة بالطريقة التي يريدها، او خطط لها، بحيث يبقى الحكم في دائرة اسرته، وبما يضمن له اعتزالاً هادئاً من خلال منصب رئاسي شرفي، ولا نعتقد ان الولايات المتحدة تعارض ذلك، ويشاطرها الرأي نفسه حلفاؤها الخليجيون. فمصلحة امريكا في اليمن محصورة في قتال تنظيم 'القاعدة' والنظام اليمني الحالي يحقق لها هذا الهدف، ومستعد للاستمرار فيه حتى النهاية. واولويات واشنطن الآن ليست اليمن، وانما سورية وايران وحزب الله والصعود المفاجئ للاسلاميين في مصر وتونس.
خصوم علي عبد الله صالح حاولوا اخذ السلطة منه بالمظاهرات السلمية وعجزوا عن ذلك بعد ما يقرب العام، وحاولوا مرة اخرى اخذها منه بالسيف اي التفجير، فنجا باعجوبة، ولا نستبعد ان يدفعهم اليأس للعمل المسلح في نهاية المطاف، وهذا ربما ما يريده الرئيس اليمني نفسه لان موازين القوى لصالحه.
باختصار شديد يمكن القول ان ليل معاناة الشعب اليمني طويل بل اطول مما يتخيله الكثيرون ونحن منهم، وهذا امر مؤلم بكل المقاييس. لانه شعب طيب شهم يتمتع بأعلى درجات الوطنية والكرامة ولا يستحق كل هذا من العرب وجامعتهم، وقبل كل هذا وذاك من رئيسه.
الديمقراطية ممنوعة في اليمن، لانها لو ترسخت ستنتقل عدواها الى الجارين السعودي
القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق