حينما يقدم إنسان على الانتحار يشعر جميع المحيطين به من عائلته أو من أصدقائه بالأسف، ويتساءل الجميع عن الأسباب التي قد تدفع بالشخص للتخلص من حياته. وفي الأغلب يأتي التفكير في الانتحار عندما يفشل الإنسان في التكيف مع الظروف المحيطة به سواء الاجتماعية أو الضغوط النفسية أو حتى المادية.
ولكن خلافا للاعتقاد السائد بأن الإنسان عادة ما يواجه هذه الحالة في فترة متقدمة من حياته؛ أظهرت دراسة حديثة نشرت في النصف الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في دورية صحة المراهقين (Journal of Adolescent Health)، أن التفكير في التخلص من الذات قد يبدأ في وقت مبكر جدا من الحياة، إذ حيث يمكن أن يبدأ المراهقون في التفكير في الانتحار في فترة الدراسة الثانوية أو حتى قبلها.
* التفكير في الانتحار
* أظهرت نتائج الدراسة أن قطاعا كبيرا من المراهقين فكروا في الانتحار بل وحاولوا فعلا الشروع في ذلك قبل الالتحاق بالدراسة الثانوية، ووجد الباحثون أن الانتحار في مرحلة المراهقة والطفولة مرتبط بشكل وثيق بالاكتئاب لدى المراهق في وقت تنفيذ محاولة الانتحار. وأوضحت الدراسة أن المرضى الذين ينتهي بهم المطاف بالمرض النفسي أو المرض العقلي تبدأ الأعراض لديهم مبكرا منذ مرحلة الدراسة الإعدادية، وهو الأمر الذي جعل الدول المتقدمة تبدأ برامج الصحة العقلية والعلاج النفسي مبكرا ما دون الدراسة الثانوية.
وقد قام الباحثون بسؤال 883 شابا تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاما عمّا إذا كانوا قد فكروا في الانتحار في وقت من الأوقات، وكانت إجابات 78 شابا، أي نحو 9 في المائة من مجموع العينة، أنهم فكروا في الانتحار في أوقات مختلفة من حياتهم. ووجدت الدراسة أن التفكير في الانتحار يزيد زيادة كبيرة في عمر 12 عاما، أي في العام الدراسي السادس، وأحيانا في العام الدراسي السابع أو الثامن، وبالنسبة للأطفال الذين حاولوا الانتحار عدة مرات، كان التفكير في وقت مبكر جدا في عمر 9 سنوات.
* أعباء نفسية
* وكانت الدراسة قد قامت برصد التاريخ المرضي لهؤلاء الأطفال في الوقت الذي حاولوا فيه الانتحار ومقارنته بما يعرف بمؤشر الاكتئاب (Depression Scores)، وتبين أن التفكير في الانتحار يزيد في الأوقات التي يزيد فيها مؤشر الاكتئاب، أي في الفترات التي يعاني فيها المراهق من الإحباطات النفسية المختلفة، وهو الأمر الذي يجب أخذه بمنتهى الجدية وعدم إهماله، حيث إن عواقبه شديدة الخطورة، ويمكن تفاديها إذا تنبه الآباء للصحة النفسية لأبنائهم.
من المعروف أن مرحلة المراهقة من أكثر مراحل العمر التي تضع أعباء نفسية على الإنسان، وهي الفترة التي يبدأ فيها الطفل في التحول إلى شاب بالغ، حيث التغيرات الفسيولوجية الكثيرة التي تحدث للمراهق والتي تصاحبها بالضرورة تغيرات نفسية، حيث يسطر القلق والحيرة على حياة المراهق ويعاني من عدم التكيف المجتمعي، فضلا عن النضج الجنسي ويميل إلى التصرف كشخص ناضج ويميل للبعد عن النصائح، خاصة من الأب والأم في كيفية التصرف في حياته.
ويحاول المراهق في هذه السن الاعتماد كلية على النفس؛ ولكن بالطبع تنقصه الخبرة الحياتية، وحتى في حالة اللجوء إلى الأصدقاء ممن هم في مثل سنه، وهم ناقصو الخبرة أيضا، وكذلك يميل المراهق إلى تجربة أشياء كثيرة تعتبر من الممنوعات، إذ يظن أن تجربة هذه الأشياء تدخله إلى عالم البالغين مثل التدخين أو شرب الكحوليات أو حتى تعاطي المخدرات، وتبعا لهذه الدراسة فإن انتحار المراهقين يمثل ظاهرة شديدة الخطورة، خاصة في المجتمعات الغربية، ويمثل الموت من الانتحار في الفئة العمرية من 15 وحتى 24 عاما، ثالث أهم سبب للوفاة بعد التعرض للحوادث والموت نتيجة للعنف وهذا تبعا لإحصائيات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and (Prevention.
وبينما تبلغ نسبة محاولات الانتحار للفتيات ضعف محاولات الأولاد، فإن نسبة الوفيات أو المحاولات الناجحة للانتحار في الأولاد تبلغ أربعة أضعاف الفتيات، ربما لأن الأولاد يلجأون إلى طرق قاتلة أكثر مثل استخدام الأسلحة النارية في حالة توافرها أو القفز من ارتفاعات أو الشنق، بينما تميل الفتيات لاستخدام طرق مثل تناول جرعات زائدة من الأدوية أو محاولة قطع شرايين اليد.
* فئات خطرة
* ومن الضروري معرفة المراهقين الأكثر عرضة من غيرهم لمحاولات الانتحار، حيث إن المراهق المحاط بالاهتمام العائلي والأصدقاء والتنشئة الدينية، يستطيع أن يتغلب على المشاكل النفسية التي تواجهه،
ولعل الفئات الأكثر خطورة للتعرض لمحاولات الانتحار هم من:
* الذين يعانون من الاكتئاب والإحباط النفسي (وفي حقيقة الأمر أن 95 في المائة من الذين يحاولون الانتحار يعانون من الاكتئاب والمشاكل النفسية).
*المراهقين الذين يتناولون الكحوليات والمخدرات أو الأدوية المخدرة.
* الذين يشعرون بعدم القيمة واليأس نتيجة لتكرار الفشل في شيء معين مثل الفشل الدراسي أو في علاقة عاطفية.
* لديهم تاريخ عائلي، حيث تزيد نسبة الاكتئاب في المراهقين الذين سبق تعرض أحد الوالدين للاكتئاب أو محاولة انتحار، حيث يمكن أن يكون هناك عامل جيني وراثي يزيد من فرص الإحباط النفسي.
* المراهقين الذين سبق لهم محاولة الانتحار قبل ذلك يكونون عرضة أكثر من غيرهم لمعاودة المحاولة.
* الذين تعرضوا لمحاولة اعتداء سواء بدني أو جنسي.
* الذين يعانون من المشاكل بينهم وبين عائلتهم والذين يشعرون بالعزلة الاجتماعية.
* في الأغلب يفكر المراهقون في الانتحار بعد حادث صادم يحدث لهم مثل موت شخص عزيز أو حدوث الطلاق بين الوالدين.
علامات تحذيرية وهناك علامات تحذيرية يجب على الآباء ملاحظتها بالنسبة لمن يفكر في الانتحار مثل:
* الحديث المتكرر عن رغبته في الموت أو أنه سوف يموت قريبا أو التحدث عن الموت بشكل عام.
* الابتعاد عن الأسرة والأصدقاء والعزوف عن المشاركة في الأنشطة والأحداث التي كان يعتاد عملها.
* وجود صعوبة في التركيز والتفكير السليم وتغير سلوك الأكل والنوم.
* سلوك مسلك مدمر مثل إدمان الكحوليات أو المخدرات أو القيادة بسرعات كبيرة.
ويجب على الآباء أن يراقبوا بدقة هذه التغيرات والتدخل لحماية المراهق ومحاولة احتوائه وفتح قنوات حوار بينهم وبين المراهق، خاصة إذا كان المراهق يثق بأبويه، وعدم التقليل من مشاكله مهما كانت تبدو صغيرة وغير مؤثرة.
وعلى سبيل المثال فقد لا يبدو الفشل في علاقة عاطفية أو خسارة صديق مقرب مشكلة كبيرة بالنسبة للآباء؛ ولكن يجب إشعاره بأنهم مقدرون لحجم معاناته لأن التقليل من حجم المشكلة وإشعاره بالتفاهة يضاعف من أحزانه واكتئابه وبالتالي يزيد المشكلة، وأيضا في حالة الكلام الدائم عن الموت يجب على الأبوين محاولة توضيح أن التخلص من الذات يبدو كحل نهائي لمشكلة مؤقتة وأنه مهما كان حجم المشكلة يمكن دائما إيجاد حلول لها، وفي حالة تصريح المراهق بأنه فكر جديا في الانتحار يجب على الآباء التعامل مع الأمر بمنتهى الجدية وعرضه فورا على طبيب نفسي حتى إذا أخبرهم بعد ذلك أنه لم يعد يفكر في الأمر الآن، حيث إن التفكير في الانتحار يمكن أن يكون متكررا في حالة تعرضه مجددا لضغوط نفسية.
وفي النهاية يجب على الآباء احتواء أبنائهم وإشعارهم بالحب وبث القيم الدينية والخلقية لحمايتهم من أخطار الاكتئاب والإحباط.
المصدر:الشرق الاوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق