الخميس، 5 يناير 2012

صنعاء .. مدينة لها عاشقوها

رغم البرد الشديد الذي يسودها تظل صنعاء هي المكان الأفضل في نظر الكثيرين من الباحثين عن فرص العمل من جميع المحافظات ومثلما تستهويهم، فهي تستهوي كثير ممن يعانون الاختلال العقلي أيضاً حسب ما تؤكده دراسة حديثة، قالت إن %50 من أعداد المختلين عقلياً تقطعت بهم السبل ويعشيون في الشوارع والأزقة بلا مأوى ومعظمهم في العاصمة صنعاء. 
البرد.. الباحثون عن عمل.. المشردون.. مختلون عقلياً 

تبدو أجواء العاصمة صنعاء هذه الأيام أكثر قسوة على سكان هذه المدينة الفاتنة، فهي تجلدهم بسياط بردها القارس خلال فصل الشتاء، إلا أن الحركة مستمرة والبحث فيها عن فرص العمل رغم الندرة يستهوي الكثيرين. 
قاسية ونحبها 
يغادر الشاب محمد البعداني 26 عاماً مسكنه بعد صلاة الفجر باتجاه جولة تعز (حراج العمال) منتظراً نصيبه من الرزق، إلا انه يعود أغلب الأيام منهكاً من آثار البرد دون أن يجد فرصة عمل. 
يقول البعداني إنه قدم من محافظة إب وسط اليمن إلى العاصمة صنعاء باحثاً عن فرصة عمل، إلا أنه تفاجأ بموجات الصقيع الشديدة البرودة، شاكياً من ندرة فرص العمل هذه المرة ووصفها البعداني بأنها باردة تماماً مثل الجو. 
وأوضح: "ليست المرة الأولى التي أتيت بها إلى صنعاء، فأنا قد عملت فيها لأكثر من 3 سنوات لدى أحد التجار، لكني لم أعش هذه الأجواء الباردة كما أعيشها هذه الأيام". 
وأضاف: "صنعاء تبدو أحياناً قاسية علينا إلا أننا نحبها". 
أما علي 28 عاما بكالوريوس تجارة هو الاخر جاء من الحديدة غرب اليمن باحثاَ عن فرصة عمل منذ أربعة أشهر لكنه ينتظر الوعود فاضطر للعمل حارسا ً لأحد المرافق ويقيم عند احد أقربائه. 
يقول علي:" ثلاثة شهور في صنعاء ابحث عن فرصة ـ عمل أي ـ عمل ولكن بلا فائدة كل الشركات تقول اترك سيرتك ومؤهلاتك سنتصل بك ولا يتصلون أبداً والآن اضطررت للعمل في الحراسة لكن البرد قارس هذه الأيام، لكنني مضطر حتى لا أكون عالة على احد". 
مختلون 
الزائر لهذه المدينة الفاتنة سيلحظ الأعداد المتزايدة لمن يعانون اختلالات عقلية وهو ما تخبر به أيضاً إحصاءات دراسة حديثة نشرت مؤخراً في بعض الصحف المحلية. 
تفيد الإحصاءات إن عدد المختلين عقلياً في عموم المحافظات اليمنية بلغ 500 ألف شخص وأن 50% منهم قد تقطعت بهم السبل ويعيشون في شوارع المدن والأزقة بلا مأوى، ووفقاً للإحصائية، فإن العاصمة صنعاء تستحوذ على النسبة الأعلى من هؤلاء المشردين. 
ويواجه هؤلاء المشردون في صنعاء معاناة كبيرة، خاصة في ظل الأجواء الباردة، الأمر الذي يستدعي من الجهات المعنية الرسمية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني أن تجد حلاًً لهذه الإشكالية وأن تعمل على توفير دور رعاية لهؤلاء الذين يعانون من اختلالات عقلية واستيعابهم - حسب ما أوصت به الدراسة. 
وهو ما أفاد به المحامي مفيد القاضي بأن القانون قد حدد وجود جهة إصلاحية تكفل هذه الحالات وتستوعبها تماماً مثل الجهة الإصلاحية لرعاية أصحاب الجرائم ومجرمي الأحداث، وكذا لرعاية المسنيين. 
وأضاف:" وكون هناك حالات متزايدة ناجمة عن غياب الدور الحكومي في رعاية مثل هؤلاء المختلين، فإن الظاهرة تتسع وتشكل خطراً على النسيج الاجتماعي اليمني". 
ودعا القاضي حكومة الوفاق الوطني إلى التنبه لمثل هذه الظاهرة والعمل على معالجتها، خلافاً لما قام به النظام السابق. 
 تسول 
ولم تقتصر هذه التحديات التي تواجهها العاصمة صنعاء على تزايد الوافدين إليها من باحثين عن عمل وأولئك المشردين، بل إن مشكلة التسول التي تتسع من حين إلى آخر صارت مشكلة حقيقية تشوه المنظر الحضاري الذي يجب أن تظهر به العاصمة، وهذه الفئة هي الأخرى تعاني خلال هذه الأيام من موجات الصقيع. 
 الطفلة أمل البالغة من العمر 10 سنوات وتبدو أثار البرد على وجهها وكفيها، فجسمها النحيل لا يقوى على تحمل قسوة هذا البرد، إلا أنها وضعت لنفسها دواماً يفوق 14 ساعة في اليوم، وتمد يدها إلى المارة وتستجديهم بكلمات مؤثرة. 
ومنذ السابعة صباحاً تبدأ سُمية رحلتها الشاقة مع برد لا يرحم ولا تقوى الأجسام الكبيرة على مقاومته، لتعود إلى البيت في التاسعة ليلاً، حال هذه الفتاة التي جعلت من جولة الرويشان بشارع حده وأحياناً أخرى تتجه صوب جولة المالية –حد قولها- مكاناً تستقي منه رزقها هي وأخواتها يثير الشفقة، هذه الفتاة الصغيرة السن لا تعرف الآثار التي سيخلفها لها البرد، إلا أن هذا المشهد يدعوا كافة الجهات وأصحاب الخير إلى تبني دور تحتضن هذه الطفولة البريئة. 
فيما يرى أحمد ـ سائق باص ـ أنه على الأسر الحفاظ على أطفالها و على صحتهم والدفع بهم إلى المدارس بدلاً من الشوارع. 
تدفئة للقات 
تعيش أسواق القات في محافظات صنعاء وذمار والبيضاء التي طالتها موجات الصقيع حالة من الغليان في أسعار القات، الأمر الذي دفع كثير من المزارعين في ضواحي صنعاء إلى إحراق إطارات السيارات في مزارعهم للتخفيف من البرد على الأشجار وحمايتها من التقصف والتلف من أجل إنتاج كميات كبيرة من القات والاستفادة من ارتفاع أسعاره. 
ممارسات سلبية يقوم بها العديد من مزارعي القات دون الإحساس بمسؤولية تجاه صحة من يسكنون بالقرب من مزارعهم، الأمر الذي يستوجب من المعنيين توعية المزارعين بخطر هذه الممارسات على صحتهم وصحة المجتمع، كما يجب أن يكون هناك حضور قوي للسلطات المعنية ومعاقبة كل من يقوم بهذه الأعمال. 
عناوين 
القاضي: القانون قد حدد وجود جهة إصلاحية تكفل حالات المختلين وتستوعبها تماماً مثل الجهة الإصلاحية لرعاية أصحاب الجرائم ومجرمي الأحداث ورعاية المسنين. 
مالم تتجه الحكومة إلى وضع حلول ومعالجات لهؤلاء المختلين، فإن الظاهرة تتسع وتشكل خطراً على النسيج الاجتماعي اليمني 
البعداني: ليست المرة الأولى التي أتيت بها إلى صنعاء، فقد عملت فيها لأكثر من 3 سنوات لكني لم أعش هذه الأجواء الباردة قط 
"صنعاء تبدو أحياناً قاسية علينا إلا أننا نحبها" 
تقرير: نجيب العدوفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق