علي محسن حميد
الوفاء لجارالله:
أخطأ قاتلوا جارالله الحساب لأن حساباتهم غير حسابات الشعوب والمناضلين فالقتلة يرتكبون غلطة العمر بتوهمهم أن القضاء الجسدي على معارضيهم هو حلا تاريخيا شافيا ولكن أثبت ثوار اليمن أن ضحايا النظام أحياء في وجدانهم وهذا هو الفرق . وقد عبر شباب الثورة عن وفاء يستحقه جارالله ونحو قادة ومناضلين آخرين كجمال عبد الناصر نصير ثورتي اليمن الشمالية والجنوبية والشهيد المغدور إبراهيم الحمدي وتشي جيفارا وعبد الفتاح إسماعيل والنعمان والزبيري وعلي عبد المغني وعبد القادر سعيد وسلطان القرشي وعيسى محمد سيف وغيرهم لإيقاظ الذاكرة الوطنية وتذكيرها برموزها الحقيقية التي ناضلت من أجل يمن ليس كيمن علي عبد الله صالح الذي بدأ بالتواري وإلى غير رجعة.
رفعت صور جارالله في ساحات وميادين الثورة والتغيير وفي المسيرات كأيقونة ورمز ثوري وطني وعربي ارتبط بقضايا الناس وبهمومهم ولم يستسلم أو يتاجر أو يستنفع وكأن الشباب ينا دونه ويقولون له هذه هي بداية التحول الذي تقت إليه وناضلت من أجله ولتكن شاهدا على عظمة الشعب اليمني الذي صبر طويلا وانتفض عن بكرة أبيه ليقول للدكتاتور كفى وأننا لن نقبل المذلة والتجويع بعد اليوم.
كان جارالله يتألم كثيرا لما آلت إليه أحوال البلاد وأحوال الجنوب بشكل خاص ولا يصدق أن شخصا وأسرة واحدة ستصادر ثورتين وتفتئت على تضحيات أول شعب ثار قبل سبعة عقود مطالبا بحكومة دستورية وإنهاء حكم الفرد والأسرة. جار الله أثناء النكبة بهذا النظام كان يتذكر عدن الجميلة التي عاش فيها قرابة عقدين وما كانت عليه قبل سياسة البطش والتهميش والاستيطان وإذلال أهلها الذين حولهم علي صالح من مؤيدين متطرفين للوحدة إلى ناقمين عليها وعلى كل ما هو شمالي ومطالبين بفك الارتباط أي الانفصال.
النظام الذي صفى جسديا رموزا يمنية عديدة لم يترك وصفا إلا وألصقته بعض وسائل إعلامه بجارالله ويا ليته في ساعاته الأخيرة يدرك كيف كان كاذبا وكم هو كبير جارالله عند شعبه الذي ودعه في يوم جنازته بنصف مليون من أبنائه من مختلف أنحاء اليمن إلى مثواه الأخير وكان ذلك أقوى إدانة للقتلة المباشرين وغير المباشرين.
إن المؤامرة الخسيسة لاغتيال جار الله باءت بالخسران فجار الله حي في وجدان اليمنيين الين لم ولن ينسوه كما لم ولن ينسوا الشهيد الحمدي وغيرهما من ضحايا النظام الذين اغتيلوا غيلة وغدرا وسيطالب بمحاكمة القتلة وإعادة فتح قضية اغتيال الشهيد جارالله عمر وعيسى محمد سيف زعيم الحزب الناصري ورفاقه الـ22 الذين لم يسفكوا قطرة دم واحدة وكل ضحايا نظام صالح.
عملية اغتيال جارالله لم يكن فيها قاتلا واحدا وإنما شبكة كبيرة تسلحت بفكر التكفير وبفتاوى من يسمون أنفسهم علماء وشيوخ دين يوظفون الدين لأغراض السياسة وتكديس المال ورفاهية العيش وينسون فتوى اليوم إذا تحقق لهم غدا مأربهم السياسي وهم ليسوا بأهل للفتوى بحسب شيخ الأزهر الأسبق المرحوم جاد علي جاد الحق والشيخ محمد الغزالي وغيرهما.
هؤلاء يلغون الأخر متى ما أرادوا ويرافقونه سياسيا بعد حين وقد بدأوا هجمتهم البربرية بإعلان حربهم ضد الحريات العامة وازدراءهم للنظام الديمقراطي ولحقوق الإنسان واعتبار ذلك كفرا صريحا. أما القاتل فكان يعتقد أن "ثورة سبتمبر خروجا عن الإسلام وأن المفاسد لم تظهر إلا بعد قيامها. والوقوف العلني ضد الثورة الأم ( سابقا) لم يحدث أي غيرة على الثورة لدى رأس النظام وجهازه الأمني الذي أصم أذاننا بجعجعته حتى الأسابيع الأخيرة من عمره الأسود بأنه يدافع عن مكتسباتها من أعدائها، ولكن طالما أن جارالله سيزاح من طريق النظام وعملية التوريث فليقل القاتل في المسجد كل مايريد.
وأكتفي بفقرات صغيرة مما كتبته صحيفة الميثاق في عدة أعداد في الفترة من عام 1996 إلى عام اغتياله في 2002. عبرت الصحيفة نيابة عن السلطة عن الارتياح لغياب جارالله عن الساحة اليمنية عقب حرب 1994 الظالمة ضد الجنوب التي تلاها نهب ثرواته وأراضيه بقولها بعد عودته من القاهرة عام 1996 «عاد محنطا بنفس التابوت الذي خرج به وأن تاريخه العريق مصنوع بالألغام والمتفجرات وأنه ليس من النوع الذي يزرع الورود والأشجار المثمرة وانه لا عهد له هو وأكبر كذبة، وأنه غدر برفاقه في الشمال ويتكيف مع المتغيرات فينقل عمالته من المخابرات السوفياتية إلى المخابرات المركزية الأمريكية وأنه يمارس الشر ضد نفسه ووطنه وشعبه وأنه يقف ضد مصالح الوطن وأنه كجنرال وحشي يستحق لقب قاتل الأطفال ومسمم الآبار».
وكتبت صحيفة 22 مايو وهي الصحيفة الخامسة غير صحف أكثر منها عددا تملكها السلطة في دولة شديدة الفقر قائلة «لقد أعماه بريق لينين وبطش ستالين ونازية هتلر وتعطش موسوليني للدماء». ( الصفحات 6-5- 124 من كتاب سلسلة كتاب صحيفة الثوري -2 : نقد وتفكيك خطاب الاستحلال، نص مرافعات محاميي الشهيد جارالله عمر).
هكذا ولم تنسى الصحيفة سوى بينوشيه في تشيلي ولأنه على شاكلة الرئيس لم يذكر. وكان ذلك تعبيرا عن لوثة ذهنية وحقد دفين ضد كل قوى التغيير والديمقراطية وعن تخوف حقيقي من عودة جارالله الذي لم يخفي سبب عودته عندما قال أنه لن يترك اليمن وحزبه مهزوما وضعيفا وأنه عاد بعد أن اطمأن إلى أن صالح لن يصفيه جسديا ولكن التصفية كانت مسألة وقت ليس إلا.
وعندما عرض عليه الرئيس منصب سفير بالخارج ليتخلص من وجوده اعتذر وقال لن أقبل أي منصب وسأبقى في الوطن مع حزبي. وبعد أن نجح جارالله وأخرين من رفاقه في مسعاهم في إعادة اللحمة إلى الحزب الاشتراكي سعى ببصيرة نافذة وبعد نظر لجمع قوى سياسية عانت من استبداد السلطة وطغيانها ومن زئبقية الحاكم وتحالفاته المتغيرة التي إذا مافشل في توظيفها للتوريث ولإرساء نظام عائلي ولخضوع الغير له خضوعا مطلقا انقلب عليها وسحقها.
سعى جار الله لإنشاء اللقاء المشترك الذي يضم قوى إسلامية وقومية ويسارية وقد جن جنون صالح وكانت النتيجة اشتداد الحملة الإعلامية ضده كقول الرئيس في مقيله ثم صحيفة 26 سبتمبر بأنه فقيه الفتنة وهذه إشارة إلى تبحر جارالله في العلوم والفقه الإسلامي ولكن القصد كان سلبيا.لقد رفعت صور جارالله في ساحات وميادين الثورة كتعبير عن الوفاء لجار الله الذي حمل هموم الشعب واستشهد من أجله وهذا أبلغ رد على سلطة تواطأت على الاغتيال وساهمت في أن تكون المحاكمة مشوهة وتفتقد لأبسط مقومات التقاضي.
قد يتصور البعض أن الحكم على القاتل في سبتمبر 2005 بالإعدام أغلق ملف القضية وأنه أكثر الأحكام عدلا ولكن هذا غير صحيح فقدحكم على القاتل بالإعدام لكي تدفن بموته أسرارا كثيرة منها الأطراف التي كانت تعلم وساهمت في الاغتيال.
لقد اغتال جارالله الشاب علي السعواني الذي تربى في أحضان جامعة الإيمان وكان متطرفا وتكفيريا كشيوخه وهذه الجامعة يراها كثيرون بؤرة للتكفير وإهدار دم المخالف ليس غيرة على الدين وإنما لتحقيق أهداف سياسية ودنيوية. والمتهمون في إغتيال جارالله كثر و يبلغ عدد من حوكموا 13 شخصا وكلهم طلقاء وأحدهم خرج من الأمن السياسي في إبريل 2003 بكفالة شخصية عامة أصدرت فتاوي تكفير في حينه ولم يعد إلى قفص الاتهام. وقطعا لن يفرج عنه بهذه الكفالة بدون موافقة رئيس الجمهورية. وأخر أفرج عنه بسبب المرض ولم يعد إلى الأمن السياسي بعد تماثله للشفاء، أي أن أخباره غابت عن رادار الأمن السياسي (المرجع السالف الذكر).
أما السلطة فتعد طرفا في اغتيال جارالله عمر فبالإضافة إلى ما سبق كان جهاز الأمن السياسي كان على علم بنية عبر عنها القاتل بلغة صريحة أثناء اعتقاله عام 2000 في القيام باغتيال جار الله ومع هذا لم يقم جهاز الأمن السياسي بواجبه بإ بلاغ الشهيد أو حزبه بأن هناك خطرا وتهديدا حقيقيا على حياته ولم يوفر له الحماية الأمنية الضرورية كقائد سياسي ولم يحول دون الاغتيال أثناء مؤتمر حزب التجمع اليمني للإصلاح أكبر أحزاب المعارضة.
ولاشك أن رئيس جهاز الأمن السياسي الذي سمع شخصيا هذه النية المبيتة بأذنيه قد أبلغ الرئيس صالح بها، ولا يعلم أحدا ما إذا كان قد سأله عن الدافع، ولماذا جارالله بالذات ومن يقف وراءه ولمصلحة من يغتال جارالله وهل حاول إثناءه عن ارتكاب جريمته وهل نبهه إلى عواقب اغتيال شخصية قيادية سياسية كبيرة.
وبدون تجن أو تسييس لقضية الاغتيال فإن الأمن السياسي والرئيس متهمان كشريكين غير مباشرين في الاغتيال. ولكي تتحقق العدالة يجب أن يستجوبا عندما تعاد المحاكمة للمتهمين الآخرين الذين تساهلت معه العدالة اليمنية الضالة.
والحقيقة التي يجب أن تعرف هي أن الرئيس صالح كان مرتاحا لاغتيال جارالله لأنه كان يعتبر اختفاءه من الساحة السياسية ثم بعد ذلك بأقل من 3 أسابيع يحي المتوكل ثم مجاهد أبو شوارب بعد13 شهرا إزاحة لثلاث عقبات من طريقه لتوريث السلطة لابنه أحمد ولحكم عائلي طويل المدى بعد وفاته وهو في منصبه.
سمعت في لندن من أحد القريبين إلى صالح وقتذاك بأن الارتياح كان باد على الرئيس صالح في يوم اغتيال جارالله، عندما نوقش في مقيله موضوع مكان دفنه ولكي يقطع الرئيس الطريق على أي اقتراح قال: يدفن في مقبرة خزيمة ولكن يحيى المتوكل شرح للرئيس ما يعرفه الرئيس نفسه عن مكانة جار الله وقامته في النضال الوطني وأنه ضحية عمل إرهابي واقترح أن يدفن في مقبرة الشهداء.
ولم يجد الرئيس بدا من الموافقة ولكنه في تلك اللحظة وربما قبلها قرر التخلص من يحي المتوكل. من جهة ثانية وقبل أن تنقطع علاقة جارالله بالرئيس وكانت علاقة تليفونية، حذره الأخير من تعرضه للاغتيال ونصحه بأن يكثف حراسته ويستبدل سيارته المتواضعة بسيارة صالون كبيرة تتسع لحرّاس وكان الرئيس يعرف عزة نفس جارالله وإمكانيات حزبه المعدومة بسبب مصادرة أمواله وممتلكاته ومقراته ويمني نفسه بأن يطلب جارالله منه سيارة كبيرة وحراسة ولكن جار الله لم يفعل.
تحذير الرئيس لم يكن تنبؤيا أو على سبيل المحبة ولكنه من واقع ماهو طبيعي في علاقة الأمن برئيس الدولة برفع دقائق الأمور إليه بأن شخصا يدعى علي السعواني ينوي اغتيال جار الله وعددا آخر من الشخصيات العامة وسيستنتج الأمن أن ذلك سيتم بمساعدة شبكة كبيرة لأن اغتيال هؤلاء جميعا مستحيل إتمامه من قبل شخص واحد بمفرده ويضمن هذا الاستنتاج تقريره إلى الرئيس.
ومعلوم أنه في اليوم التالي تم قتل أطباء امريكيين في مدينة جبلة في محافظة إب وأن القاتل عابد عبد الرزاق كامل كان على صلة وطيدة بالقاتل السعواني الذي كان على علم بما سيحدث في جبلة بينما جهاز الأمن يغط في نوم عميق ومع ذلك لم يتغير مسئوليه ولا سياساته بدفن الرأس في الرمال فقد اغتيل بعد جارالله غيره من الشخصيات العامة.
الرئيس فوجئ فقط بتوقيت اغتيال جارالله ولكنه لم يفاجأ بالاغتيال ذاته. الرئيس غير الوحدوي كان يعلم حق العلم أنه لو قال جار الله في عدن لا للوحدة في 29 نوفمبر 1989 لما قامت للوحدة قائمة في 22 مايو1990، ويدرك أنه لم يلتق به وبيحيى الشامي منفردين إلا ليضمن تأييدهما وليطمئنهما بأنه قبل بالتعددية السياسية التي قلب لها ظهر المجن لاحقا ومسخها وشوهها وهاهو يلقى جزاءه على يد الشعب الذي خان أمانته وثقته به .
يصادف 28 ديسمبر الذكرى التاسعة لاغتيال المناضل الفذ جارالله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني ومهندس اللقاء المشترك كما هو معلوم للكافة، المسمى من قبل حزب المؤتمر الشعبي العام الذي لا يقبل بالأخر على لسان صحيفته " الميثاق" في مقال لها في 4 نوفمبر 2002 بـ«التأمر المشترك». تأتي هذه الذكرى واليمن يشهد أول ثورة شبابية - شعبية حقيقية لا تزال شعلتها المتقدة في أوجها المبهر ولم تحد عن سلميتها قيد أنملة برغم الاعتداءات الدموية وسقوط الضحايا قربانا لتحقيق كل أهدافها.
الوفاء لجارالله:
أخطأ قاتلوا جارالله الحساب لأن حساباتهم غير حسابات الشعوب والمناضلين فالقتلة يرتكبون غلطة العمر بتوهمهم أن القضاء الجسدي على معارضيهم هو حلا تاريخيا شافيا ولكن أثبت ثوار اليمن أن ضحايا النظام أحياء في وجدانهم وهذا هو الفرق . وقد عبر شباب الثورة عن وفاء يستحقه جارالله ونحو قادة ومناضلين آخرين كجمال عبد الناصر نصير ثورتي اليمن الشمالية والجنوبية والشهيد المغدور إبراهيم الحمدي وتشي جيفارا وعبد الفتاح إسماعيل والنعمان والزبيري وعلي عبد المغني وعبد القادر سعيد وسلطان القرشي وعيسى محمد سيف وغيرهم لإيقاظ الذاكرة الوطنية وتذكيرها برموزها الحقيقية التي ناضلت من أجل يمن ليس كيمن علي عبد الله صالح الذي بدأ بالتواري وإلى غير رجعة.
رفعت صور جارالله في ساحات وميادين الثورة والتغيير وفي المسيرات كأيقونة ورمز ثوري وطني وعربي ارتبط بقضايا الناس وبهمومهم ولم يستسلم أو يتاجر أو يستنفع وكأن الشباب ينا دونه ويقولون له هذه هي بداية التحول الذي تقت إليه وناضلت من أجله ولتكن شاهدا على عظمة الشعب اليمني الذي صبر طويلا وانتفض عن بكرة أبيه ليقول للدكتاتور كفى وأننا لن نقبل المذلة والتجويع بعد اليوم.
كان جارالله يتألم كثيرا لما آلت إليه أحوال البلاد وأحوال الجنوب بشكل خاص ولا يصدق أن شخصا وأسرة واحدة ستصادر ثورتين وتفتئت على تضحيات أول شعب ثار قبل سبعة عقود مطالبا بحكومة دستورية وإنهاء حكم الفرد والأسرة. جار الله أثناء النكبة بهذا النظام كان يتذكر عدن الجميلة التي عاش فيها قرابة عقدين وما كانت عليه قبل سياسة البطش والتهميش والاستيطان وإذلال أهلها الذين حولهم علي صالح من مؤيدين متطرفين للوحدة إلى ناقمين عليها وعلى كل ما هو شمالي ومطالبين بفك الارتباط أي الانفصال.
النظام الذي صفى جسديا رموزا يمنية عديدة لم يترك وصفا إلا وألصقته بعض وسائل إعلامه بجارالله ويا ليته في ساعاته الأخيرة يدرك كيف كان كاذبا وكم هو كبير جارالله عند شعبه الذي ودعه في يوم جنازته بنصف مليون من أبنائه من مختلف أنحاء اليمن إلى مثواه الأخير وكان ذلك أقوى إدانة للقتلة المباشرين وغير المباشرين.
إن المؤامرة الخسيسة لاغتيال جار الله باءت بالخسران فجار الله حي في وجدان اليمنيين الين لم ولن ينسوه كما لم ولن ينسوا الشهيد الحمدي وغيرهما من ضحايا النظام الذين اغتيلوا غيلة وغدرا وسيطالب بمحاكمة القتلة وإعادة فتح قضية اغتيال الشهيد جارالله عمر وعيسى محمد سيف زعيم الحزب الناصري ورفاقه الـ22 الذين لم يسفكوا قطرة دم واحدة وكل ضحايا نظام صالح.
عملية اغتيال جارالله لم يكن فيها قاتلا واحدا وإنما شبكة كبيرة تسلحت بفكر التكفير وبفتاوى من يسمون أنفسهم علماء وشيوخ دين يوظفون الدين لأغراض السياسة وتكديس المال ورفاهية العيش وينسون فتوى اليوم إذا تحقق لهم غدا مأربهم السياسي وهم ليسوا بأهل للفتوى بحسب شيخ الأزهر الأسبق المرحوم جاد علي جاد الحق والشيخ محمد الغزالي وغيرهما.
هؤلاء يلغون الأخر متى ما أرادوا ويرافقونه سياسيا بعد حين وقد بدأوا هجمتهم البربرية بإعلان حربهم ضد الحريات العامة وازدراءهم للنظام الديمقراطي ولحقوق الإنسان واعتبار ذلك كفرا صريحا. أما القاتل فكان يعتقد أن "ثورة سبتمبر خروجا عن الإسلام وأن المفاسد لم تظهر إلا بعد قيامها. والوقوف العلني ضد الثورة الأم ( سابقا) لم يحدث أي غيرة على الثورة لدى رأس النظام وجهازه الأمني الذي أصم أذاننا بجعجعته حتى الأسابيع الأخيرة من عمره الأسود بأنه يدافع عن مكتسباتها من أعدائها، ولكن طالما أن جارالله سيزاح من طريق النظام وعملية التوريث فليقل القاتل في المسجد كل مايريد.
التشويه الرسمي لجارالله:
دأبت صحف رسمية كالثورة و26 سبتمبر و14 اكتوبر وصحيفة المؤتمر الشعبي العام «الميثاق» و22 مايو على نزع صفة المواطن الصالح عن جارالله وتشويه صورته وزرع صورة أخرى مغايرة لما يعرفه عنه الناس كمدافع عن ثورة 26 سبتمبر ومقاتل في صفوف المقاومة الشعبية وهزيمة حصار العاصمة صنعاء ثم كمدافع عن ثورة 14 اكتوبر ووحدوي بالفطرة.
دأبت صحف رسمية كالثورة و26 سبتمبر و14 اكتوبر وصحيفة المؤتمر الشعبي العام «الميثاق» و22 مايو على نزع صفة المواطن الصالح عن جارالله وتشويه صورته وزرع صورة أخرى مغايرة لما يعرفه عنه الناس كمدافع عن ثورة 26 سبتمبر ومقاتل في صفوف المقاومة الشعبية وهزيمة حصار العاصمة صنعاء ثم كمدافع عن ثورة 14 اكتوبر ووحدوي بالفطرة.
وأكتفي بفقرات صغيرة مما كتبته صحيفة الميثاق في عدة أعداد في الفترة من عام 1996 إلى عام اغتياله في 2002. عبرت الصحيفة نيابة عن السلطة عن الارتياح لغياب جارالله عن الساحة اليمنية عقب حرب 1994 الظالمة ضد الجنوب التي تلاها نهب ثرواته وأراضيه بقولها بعد عودته من القاهرة عام 1996 «عاد محنطا بنفس التابوت الذي خرج به وأن تاريخه العريق مصنوع بالألغام والمتفجرات وأنه ليس من النوع الذي يزرع الورود والأشجار المثمرة وانه لا عهد له هو وأكبر كذبة، وأنه غدر برفاقه في الشمال ويتكيف مع المتغيرات فينقل عمالته من المخابرات السوفياتية إلى المخابرات المركزية الأمريكية وأنه يمارس الشر ضد نفسه ووطنه وشعبه وأنه يقف ضد مصالح الوطن وأنه كجنرال وحشي يستحق لقب قاتل الأطفال ومسمم الآبار».
وكتبت صحيفة 22 مايو وهي الصحيفة الخامسة غير صحف أكثر منها عددا تملكها السلطة في دولة شديدة الفقر قائلة «لقد أعماه بريق لينين وبطش ستالين ونازية هتلر وتعطش موسوليني للدماء». ( الصفحات 6-5- 124 من كتاب سلسلة كتاب صحيفة الثوري -2 : نقد وتفكيك خطاب الاستحلال، نص مرافعات محاميي الشهيد جارالله عمر).
هكذا ولم تنسى الصحيفة سوى بينوشيه في تشيلي ولأنه على شاكلة الرئيس لم يذكر. وكان ذلك تعبيرا عن لوثة ذهنية وحقد دفين ضد كل قوى التغيير والديمقراطية وعن تخوف حقيقي من عودة جارالله الذي لم يخفي سبب عودته عندما قال أنه لن يترك اليمن وحزبه مهزوما وضعيفا وأنه عاد بعد أن اطمأن إلى أن صالح لن يصفيه جسديا ولكن التصفية كانت مسألة وقت ليس إلا.
وعندما عرض عليه الرئيس منصب سفير بالخارج ليتخلص من وجوده اعتذر وقال لن أقبل أي منصب وسأبقى في الوطن مع حزبي. وبعد أن نجح جارالله وأخرين من رفاقه في مسعاهم في إعادة اللحمة إلى الحزب الاشتراكي سعى ببصيرة نافذة وبعد نظر لجمع قوى سياسية عانت من استبداد السلطة وطغيانها ومن زئبقية الحاكم وتحالفاته المتغيرة التي إذا مافشل في توظيفها للتوريث ولإرساء نظام عائلي ولخضوع الغير له خضوعا مطلقا انقلب عليها وسحقها.
سعى جار الله لإنشاء اللقاء المشترك الذي يضم قوى إسلامية وقومية ويسارية وقد جن جنون صالح وكانت النتيجة اشتداد الحملة الإعلامية ضده كقول الرئيس في مقيله ثم صحيفة 26 سبتمبر بأنه فقيه الفتنة وهذه إشارة إلى تبحر جارالله في العلوم والفقه الإسلامي ولكن القصد كان سلبيا.لقد رفعت صور جارالله في ساحات وميادين الثورة كتعبير عن الوفاء لجار الله الذي حمل هموم الشعب واستشهد من أجله وهذا أبلغ رد على سلطة تواطأت على الاغتيال وساهمت في أن تكون المحاكمة مشوهة وتفتقد لأبسط مقومات التقاضي.
قد يتصور البعض أن الحكم على القاتل في سبتمبر 2005 بالإعدام أغلق ملف القضية وأنه أكثر الأحكام عدلا ولكن هذا غير صحيح فقدحكم على القاتل بالإعدام لكي تدفن بموته أسرارا كثيرة منها الأطراف التي كانت تعلم وساهمت في الاغتيال.
لقد اغتال جارالله الشاب علي السعواني الذي تربى في أحضان جامعة الإيمان وكان متطرفا وتكفيريا كشيوخه وهذه الجامعة يراها كثيرون بؤرة للتكفير وإهدار دم المخالف ليس غيرة على الدين وإنما لتحقيق أهداف سياسية ودنيوية. والمتهمون في إغتيال جارالله كثر و يبلغ عدد من حوكموا 13 شخصا وكلهم طلقاء وأحدهم خرج من الأمن السياسي في إبريل 2003 بكفالة شخصية عامة أصدرت فتاوي تكفير في حينه ولم يعد إلى قفص الاتهام. وقطعا لن يفرج عنه بهذه الكفالة بدون موافقة رئيس الجمهورية. وأخر أفرج عنه بسبب المرض ولم يعد إلى الأمن السياسي بعد تماثله للشفاء، أي أن أخباره غابت عن رادار الأمن السياسي (المرجع السالف الذكر).
أما السلطة فتعد طرفا في اغتيال جارالله عمر فبالإضافة إلى ما سبق كان جهاز الأمن السياسي كان على علم بنية عبر عنها القاتل بلغة صريحة أثناء اعتقاله عام 2000 في القيام باغتيال جار الله ومع هذا لم يقم جهاز الأمن السياسي بواجبه بإ بلاغ الشهيد أو حزبه بأن هناك خطرا وتهديدا حقيقيا على حياته ولم يوفر له الحماية الأمنية الضرورية كقائد سياسي ولم يحول دون الاغتيال أثناء مؤتمر حزب التجمع اليمني للإصلاح أكبر أحزاب المعارضة.
ولاشك أن رئيس جهاز الأمن السياسي الذي سمع شخصيا هذه النية المبيتة بأذنيه قد أبلغ الرئيس صالح بها، ولا يعلم أحدا ما إذا كان قد سأله عن الدافع، ولماذا جارالله بالذات ومن يقف وراءه ولمصلحة من يغتال جارالله وهل حاول إثناءه عن ارتكاب جريمته وهل نبهه إلى عواقب اغتيال شخصية قيادية سياسية كبيرة.
وبدون تجن أو تسييس لقضية الاغتيال فإن الأمن السياسي والرئيس متهمان كشريكين غير مباشرين في الاغتيال. ولكي تتحقق العدالة يجب أن يستجوبا عندما تعاد المحاكمة للمتهمين الآخرين الذين تساهلت معه العدالة اليمنية الضالة.
والحقيقة التي يجب أن تعرف هي أن الرئيس صالح كان مرتاحا لاغتيال جارالله لأنه كان يعتبر اختفاءه من الساحة السياسية ثم بعد ذلك بأقل من 3 أسابيع يحي المتوكل ثم مجاهد أبو شوارب بعد13 شهرا إزاحة لثلاث عقبات من طريقه لتوريث السلطة لابنه أحمد ولحكم عائلي طويل المدى بعد وفاته وهو في منصبه.
سمعت في لندن من أحد القريبين إلى صالح وقتذاك بأن الارتياح كان باد على الرئيس صالح في يوم اغتيال جارالله، عندما نوقش في مقيله موضوع مكان دفنه ولكي يقطع الرئيس الطريق على أي اقتراح قال: يدفن في مقبرة خزيمة ولكن يحيى المتوكل شرح للرئيس ما يعرفه الرئيس نفسه عن مكانة جار الله وقامته في النضال الوطني وأنه ضحية عمل إرهابي واقترح أن يدفن في مقبرة الشهداء.
ولم يجد الرئيس بدا من الموافقة ولكنه في تلك اللحظة وربما قبلها قرر التخلص من يحي المتوكل. من جهة ثانية وقبل أن تنقطع علاقة جارالله بالرئيس وكانت علاقة تليفونية، حذره الأخير من تعرضه للاغتيال ونصحه بأن يكثف حراسته ويستبدل سيارته المتواضعة بسيارة صالون كبيرة تتسع لحرّاس وكان الرئيس يعرف عزة نفس جارالله وإمكانيات حزبه المعدومة بسبب مصادرة أمواله وممتلكاته ومقراته ويمني نفسه بأن يطلب جارالله منه سيارة كبيرة وحراسة ولكن جار الله لم يفعل.
تحذير الرئيس لم يكن تنبؤيا أو على سبيل المحبة ولكنه من واقع ماهو طبيعي في علاقة الأمن برئيس الدولة برفع دقائق الأمور إليه بأن شخصا يدعى علي السعواني ينوي اغتيال جار الله وعددا آخر من الشخصيات العامة وسيستنتج الأمن أن ذلك سيتم بمساعدة شبكة كبيرة لأن اغتيال هؤلاء جميعا مستحيل إتمامه من قبل شخص واحد بمفرده ويضمن هذا الاستنتاج تقريره إلى الرئيس.
ومعلوم أنه في اليوم التالي تم قتل أطباء امريكيين في مدينة جبلة في محافظة إب وأن القاتل عابد عبد الرزاق كامل كان على صلة وطيدة بالقاتل السعواني الذي كان على علم بما سيحدث في جبلة بينما جهاز الأمن يغط في نوم عميق ومع ذلك لم يتغير مسئوليه ولا سياساته بدفن الرأس في الرمال فقد اغتيل بعد جارالله غيره من الشخصيات العامة.
الرئيس فوجئ فقط بتوقيت اغتيال جارالله ولكنه لم يفاجأ بالاغتيال ذاته. الرئيس غير الوحدوي كان يعلم حق العلم أنه لو قال جار الله في عدن لا للوحدة في 29 نوفمبر 1989 لما قامت للوحدة قائمة في 22 مايو1990، ويدرك أنه لم يلتق به وبيحيى الشامي منفردين إلا ليضمن تأييدهما وليطمئنهما بأنه قبل بالتعددية السياسية التي قلب لها ظهر المجن لاحقا ومسخها وشوهها وهاهو يلقى جزاءه على يد الشعب الذي خان أمانته وثقته به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق