حسب اعتقاده لا يوجد إلا رجال قليلون غيروا مجرى التاريخ كنيوتن، شيكسبير أو أنشتاين و هو يرى نفسه أحدا منهم، إنه الرجل الذي أراد تغيير العالم بالمعلوماتية، إنه الرجل الوحيد الذي يمكنك انتظار مؤتمراته كما تنتظر مباراة في كرة القدم، إنه أيضا من يجبرك على الإنتظار لمدة أيام في طابور كبير أمام كل متاجره في العالم عند صدور أي منتج جديد. إنه من دون شك ستيف جوبز أحد مؤسسي شركة التفاحة مع ستيف آخر، ستيف وزنياك. قرر جوبز الإستقالة من منصبه كالمدير التنفيذي للشركة التي أسسها، في 24 أغسطس 2011 و كل العالم تأسف لذلك، رحيل أعظم مدير تنفيذي للعشرية الأخيرة و إذا كنتم ما زلتم تظنون أنه ليس كذلك فاربطوا الأحزمة لننطلق في رحلة عبر الزمن، 56 سنة إلى الوراء لنكتشف قصة نجاح الرجل المعجزة ستيف جوبز.
كيف نشأ ستيف جوبز ؟
ستيف بول جوبز يحمل دما عربيا من أبيه البيولوجي، السوري عبد الفتاح جون جندلي، حامل دوكتوراه في العلوم السياسية التي تحصل عليها بالولايات المتحدة و هناك في أمريكا تعرف على والدة ستيف، جوان كارول شيبل و أنجب منها ستيف جوبز و منى سيمبسون (كاتبة أمريكية) و الذي تم تبنيهما من عائلتين مختلفتين بعد انفصال الأبوين.
عبد الفتاح جندلي، الأب البيولوجي لستيف جوبز
منى سيمبسون، شقيقة ستيف جوبز
و هكذا تبدأ قصة ستيف جوبز في 1955 بحي كوبرتينو في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة مهد التقنية الحديثة، على بعد كيلومترات فقط على منطقة Silicon Valley أو وادي السيليكون أين نشأت أكبر الشركات العالمية كهوليت باكارد (HP)، أبل، إنتل و صن ميكروسيستمز (SUN). حيث نشأ في عائلة الجوبز المتواضعة لكن هذا لم يمنعه من تحقيق أحلام الكبار (تغيير العالم)، و كالعديد من أبناء حيه كان شغف ستيف بالإلكترونيات و لتغيير العالم تبدو البداية متعثرة بما أنه كان مجرد مصلح هاو للأجهزة الإلكترونية في العطل الأسبوعية و لم يكن بارعا جدا في ذلك.
و بعد إنهائه دراساته الثانوية في Homestead High School بكوبرتينو في 1972، التحق ستيف جوبز بجامعة Reed College في بورتلاند التابعة لولاية أوريغون أين سيتخلى عن دراسته بعد ثلاثي وحيد. لكنه و في المقابل واصل متابعته للدروس كطالب حر، مما ساعده في متابعة دروس مهمة في علوم الخط التي يرجع إليها الفضل في جمالية خطوط الماك التي ترونها اليوم، حسب ما قاله في الخطاب الشهير الذي ألقاه بجامعة ستانفورد في 2005 :
[...] تعلمت خطوط Serif و San Serif و حول تعديل المسافة بين الحروف و الكلمات، حول ما يجعل الطباعة الرائعة رائعة بحق [...] لم يكن هذا مفيداً في حياتي لكن بعد عشر سنوات، عندما كنا نقوم بتصميم حاسوب الماكنتوش الأول جائت إلي هذه الخطوط و قمت بتركيبها في نظام ماك، و كان هو الحاسوب الأول ذو الطباعة الجيدة. فلو لم أقم بدراسة تلك المادة في الجامعة لما أصبح لنظام ماك خطوط متعددة و ذات مسافات متناسبة. حتى بالنسبة لنظام الويندوز الذي قام بتقليد الماك، فلو لم أدرس تلك المادة لما أصبح لكل جهاز شخصي هذه الخطوط و لم يكن لديهم هذه الطباعة للخطوط الرائعة التي يعملون عليها حتى الآن.
عاش جوبز شبابا عاديا، كأي شاب أمريكي و تأثر كثيرا بأفكار الهيبيز في بداية دراسته بالجامعة، الشعر الطويل، السراويل المفتوحة، الموسيقى المناهضة، المخدرات و خاصة بهدف واحد أمامهم، تغيير العالم. في تلك الفترة كانت لجوبز مجموعته الخاصة و كان يذهب هو و زملائه إلى مزرعة أشجار التفاح أين كانوا ينعزلون عن مجتمعهم لممارسة معتقداتهم.
و في هذه الفترة من شبابه سيلتقي جوبز مع رجل سيغير حياته، جاره ستيف وزنياك أحد عباقرة كاليفورنيا و أول من اخترع جهاز الكمبيوتر. اضغط على التالي لنكتشف سر هذا الرجل ؟
لقائه مع ستيف وزنياك و إنتاج أول كمبيوتر شخصي في العالم :
ستيف وزنياك هو مهندس أمريكي من أصول بولندية من مواليد 11 أغسطس 1950 بسان خوسيه في كاليفورنيا أي أنه يكبر صديقه جوبز بخمس سنوات، وزنياك أو WOZ كما يناديه البعض هو أحد عباقرة جيله في ولاية كاليفورنيا. فمنذ سن الثلاث سنوات كان ستيف يجيد القراءة، 7 سنوات صنع الطفل الصغير جهاز راديو بإمكانياته الخاصة، 13 سنة الإلكترونيات لم تعد سرا بالنسبة إليه و اختراعات ستيف وزنياك تتوالى أهمها كانت العلبة الزرقاء أو (Blue Box). إلى أن قام باختراع الجهاز الذي سيغير حياة الثنائي ستيف، أول جهاز كمبيوتر منزلي عرفته البشرية. التقى الثنائي ستيف خلال دروس صيفية في علوم الحاسوب بناد يدعى Homebrew Computer Club ، كلاهما أبدى إعجابه بالإلكترونيات و كون الشابين صداقة لا مثيل لها.
سنوات قليلة بعد ذلك و في 1975 أنهى ستيف وزنياك جهازه الجديد بإمكانياته الخاصة، الأبل 1 أول جهاز كمبيوتر شخصي في التاريخ الجهاز كان محدودا لكن في ذلك الوقت كان جهازا ثوريا فأجهزة الكمبيوتر كانت تشبه خزانات كبيرة بدون شاشة و لا لوحة مفاتيح. وزنياك لم يكن فخورا باختراعه و كان عليه أن يريه إلى أصدقائه في النادي ليدرك قيمة جهازه الجديد، الكل كان منبهرا فبإمكانيات بسيطة تمكن من صنع جهاز كمبيوتر، جوبز لم يخفي إعجابه بالجهاز و لديه الآن فكرة وحيدة في ذهنه، بيع الجهاز. وزنياك اعترف أنه لم يفكر يوما في بيعه لكن جوبز كان مصرا على ذلك، و حين قال له وزنياك : “ماذا لو خسرنا مالنا ؟”، أجاب جوبز : “حينها نكون قد أسسنا شركتنا الخاصة على الأقل”، و قرر جوبز حينها مباشرة تسمية الشركة “أبل” فمن أين جاء ذلك الإسم ؟ تتذكرون تلك المزرعة التي كان يجتمع فيها مع أصدقائه الهيبيز في فترة شبابه، نعم كانت مزرعة للتفاح مع العضة على اليمين لتفادي التشابه مع حبة طماطم و تلك الألوان كانت ترمز لفكرة الهيبيز : تغيير العالم.
كمبيوتر أبل 1
منذ البداية سيكشف ستيف جوبز عن موهبته الغير عادية في التسويق، فتخيلوا شابا من الهيبيز يريد بيع مجموعة من الأجهزة الغير جاهزة بعد في سوق لا وجود له أصلا. و أول صفقة لجوبز بدت كأنها لعبة أطفال، فلقد تمكن من الحصول على طلب توفير 100 جهاز كمبيوتر لفائدة متجر The Byte Shop أول متجر للإعلام الآلي في وادي السيليكون، وزنياك لم يصدق ذلك حينما أخبره صديقه بأول عقد تجاري لهم، 500 $ للجهاز الواحد أي بصفقة قيمتها 50.000 دولار. هذه القيمة ستستخدم في تطوير أجهزتهم طيلة صيف 1976 في منزل جوبز، و بدأت أبل في غرفة شقيقة جوبز ثم انتقلوا إلى غرفة الإستقبال لينتهي بهم الأمر في المرآب. العمل في ذلك المكان لم يمنعهم من تسويق 200 جهاز آخر في شهرين، لكن المشكل الذي واجهه ستيف هو محدودية الفئة المهتمة بالجهاز، فكمبيوتر أبل 1 كان معقدا جدا و فقط المهندسون البارعون يستطيعون تشغيله، فلقد كان يجب وصله مع جهاز التلفاز و القيام ببعض الإعدادات باتباع مخطط لذلك، باختصار عملية تشغيله كانت تشبه حل معادلة في الرياضيات.
منزل عائلة جوبز
جوبز تفطن لذلك بما أن هدفه كان بيع جهازه للعموم و لهذا سيطلب من وزنياك تطوير جهازه لهذا الغرض، الأمر الذي لم يستغرق سوى بضع أسابيع قبل أن يكشف لجوبز مشروع الأبل 2. صحيح أن التطوير كان من وزنياك لكن كل ما تبقى اهتم به جوبز بدءا من التصميم الذي سيتغير ليصبح شكله أكثر قابلية للتسويق مع شاشة و قارئ الأقراص المرنة و غطاء من البلاستيك و اللون الأبيض، قام جوبز بتحويل آلة غامضة إلى جهاز موجه للإستهلاك. و لا يتبقى الآن إلا إقناع العائلات الأمريكية بشراء جهازهم و لهذا سيطلق حملة إعلانية ستنشرها مختلف المجلات، يظهر فيها رجل أعمال يتابع أسهمه في البورصة مباشرة من منزله، الإعلان يبدو مستقبلي لكن جوبز تخيل الإنترنت قبل 20 سنة من ظهورها. و منذ الإعلان عن جهازهم الجديد في عامه الأول حققت أبل مبيعات رائعة بالنسبة لها، 1000 كمبيوتر في الشهر.
إعلان للأبل 2
حكاية أبل تحولت إلى قصة نجاح، في بداية الثمانينيات الشركة الصغير التي بدأت في مرآب صغير تحولت إلى مقر ضخم في وادي السيليكون و استطاع جوبز غزو الولايات المتحدة بـ 300.000 جهاز بيع حتى الآن، مدارس أمريكا أصبحت مزودة بأجهزة أبل و على الأبل 2 إذا تعلم الأمريكيون الإعلام الآلي. مع نهاية الثمانينيات أبل تواصل نجاحاتها و حان الوقت للدخول إلى البورصة، 5 مليون سهم بيع في بضع دقائق فقط لتقفز قيمة الشركة بنسبة 23 % في يومها الأول. و بهذا أصبح الثنائي مليونيرين بعد 14 سنة من العمل بميزانية وصلت إلى 300 مليون دولار لكليهما، جوبز 30 سنة و وزنياك 35 هذا الأخير سيقتني سيارة بورش الفاخرة بلوحة ترقيم تحمل إسم “أبل 2″ و شيئا فشيئا بدأ مخترع أبل الإنسحاب من الشركة.
وزنياك قرر الإنسحاب، لكن الرحلة بالنسبة لستيف جوبز لم تبدأ بعد فهناك منافس شرس سيظهر، IBM عملاق أمريكا الذي سيصدر في 1981 كمبيوتر IBM PC المستوحى بشكل كبير من الأبل 2. الجهاز لم يكن منافسا من الناحية التقنية و لا البرمجية لأبل فموظفي الشركة اشترو نسخة منه و بعد تفكيكه الكل بدأ يسخر من رداءة الجهاز مقارنة معهم، لكن الأمريكيون ما زالوا يثقون في أجهزة IBM و الكل يفضل شراء منتجات العلامة التي كانت تبدو أكثر أداءا من أبل، لكن جوبز لديه مخطط للإطاحة بعدوه الجديد
صحيح أن أبل بدأت بداية متعثرة أمام أجهزة IBM التي لم تكن أقوى و لا أكثر أداءا من الأبل 2، لكن الصورة المهيمنة للشركة منعت نجاح هذا الأخير، و ذلك لأن هذه الأجهزة كانت تحمل بكل بساطة ثلاثة حروف، IBM فكانت هي العلامة الموثوقة في تلك الفترة و الجميع يريد الحصول على جهاز IBM بأي ثمن و مهما كانت جودة المنافسة. لكن رجلنا لن يستسلم بهذه البساطة لأنه كان على ثقة كبيرة بتفوقه على الجميع في مجال الكمبيوتر.
ستيف جوبز يريد سحق جهاز IBM للمرة الأخيرة و لهذا سيبدأ في خطته بالتفاوض مع عملاق آخر بنفس طموحاته، رجل الأعمال الشهير John Sculley الذي كان يشغل منصب رئيس شركة بيبسي كولا في تلك الفترة (1977–1983) و اشتهر Sculley بإطاحته برمز المشروبات الأمريكية كوكا كولا. المهمة كانت لعبة أطفال بالنسبة لرجل موهوب مثل ستيف جوبز الذي أنهى سلسلة مفاوضاته مع مع John Sculley بعبارته الشهيرة :
هل تنوي بيع الماء المحلى طول حياتك، أم أنك تريد تغيير العالم معي ؟
جوبز و بعد أيام قليلة من تولي John Sculley مهامه كمدير تنفيذي لشركة أبل، كرس معظم وقته في مشروعه الجديد “الماكنتوش”. المشروع كان مهما جدا بالنسبة له لدرجة أنه سحب كل ما له علاقة مع مشروع الأبل 2 و طلب من الجميع التضحية من أجل الجهاز القادم الذي لن يعطي IBM أي فرصة للمنافسة، فقام بتصميم أقمصة خاصة للمهندسين الذين يعملون على المشروع الجديد كتب عليه “90 سا/أسبوع و أنا أحب ذلك“.جنون جوبز لم يتوقف هنا فقط بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فبعد 3 سنوات من العمل الجاد أصبح الماكنتوش جاهزا للتسويق و تاريخ الصدور سيكون 1984. و لم يكن اختيار التاريخ صدفة بما أنه سيستخدم هذا التاريخ كرمز لحربه ضد IBM، لأن 1984 هو عنوان أحد أشهر الكتب العالمية للكاتب Eric Arthur Blair صاحب الإسم المستعار George Orwell، الرواية تنبأ فيها الكاتب بمجتمع استبدادي ليس له طموحات و لا مشاعر يحكمه دكتاتور سمي بالأخ الأكبر أو BIG BROTHER، و لإطلاق الماكنتوش يريد رجلنا أن يستوحي فكرة إعلانه من الكتاب و هنا سيستعين بأحد أشهر مخرجي الأفلام، البريطاني Ridley Scott و أبرز أفلامه Gladiator في 2000 و روبن هود (2010). رسالة الإعلان كانت واضحة، حيث ظهر فيها عمال شبه آليين بأوجه شاحبة (و هم يمثلون كل الموظفين و الشركات المرغمة على استخدام أجهزة IBM) يتجهون نحو صالة عرض خطاب للأخ الأكبر (IBM)، و خلال العرض تظهر عداءة (أبل) ستلعب دور المنقذ بتحطيمها شاشة العرض و تحرير العالم من كل الرداءة و الحواسيب الكبيرة التي كانت تسيطر على العالم، ثم ختمت الشركة الإعلان بـ :
في 24 يناير، ستعرض أبل الماكنتوش. و سترون لماذا 1984 لن يكون مثل 1984.
مبيعات الجهاز ناجحة حتى الآن لكن للأسف لن تطول كثيرا، فكل تلك الإنجازات ستتبخر بعد شهور قليلة من ظهور الماكنتوش و السبب كان عبقري آخر، بيل جيتس…
بيل جيتس يحطم أبل و يطرد ستيف جوبز :
من لا يعرف بيل جيتس، الرجل المحبوب لدى الجميع كمؤسس و مدير لمايكروسوفت أو كرجل إنساني أو كأغنى أغنياء العالم لعدة سنوات متتالية (1996-2007). و أحد أخطاء جوبز كانت استخفافه بالرجل الذي كان يزوده بالبرمجيات، فبيل جيتس بنفس طموحات ستيف جوبز أنشأ مؤسسته و هو ما زال شابا في العشرين من عمره و هو بالمناسبة من مواليد سنة 1955، نعم بنفس عمر صديقه “اللذوذ” ستيف.
نحن إذا في بداية سنة 1984، و مايكروسوفت لم تكن تلك الشركة العملاقة التي نعرفها اليوم و كان بيل جيتس يدير مجموعة من الشباب في مؤسسة صغيرة تهتم بتطوير البرامج فقط. و في تلك الفترة كان بيل مجرد مزود بسيط يعمل يوميا عند شركة أبل و لا أحد كان يرى فيه الخطر القادم، فاستغل رجلنا العبقري هذه اللامبالاة للتعرف على أسرار جهاز الماكنتوش فلقد كان يسأل عن كل شيء يتعلق بطريقة عمله بداية من نظام التشغيل إلى طريقة عمل الأداة الجديدة “الفأرة”. المدير التنفيذي السابق لمايكروسوفت لم يخفي إعجابه بجوهرة أبل، و شارك شعوره في كلمة ألقاها علنا مدح فيها الماكنتوش :
[...] إذا كنت تريد أن تصبح مرجعا، فلا يجب أن تأتي بجهاز مختلف فقط بل يجب أن يكون جهازا جديدا حقا يجعلك تنبهر. و من بين كل الأجهزة التي رأيتها، الماكنتوش هو الجهاز الوحيد الذي وصل إلى هذا المستوى [...]
كل شيء يشير إلى أن بيل جيتس يحضر لشيء ما مستقبلا فإعجابه هذا سيدفعه إلى القيام بكل بساطة، بنقل فكرة الماكنتوش و برمجة نظامه الخاص ثم بيعه للشركات المنافسة مثل IBM و Compaq. و في أحد الأيام كان بيل جيتس يتحدث أمام جوبز مع أحد موظفي أبل عن طريقة عمل الفأرة، و هنا تفطن ستيف جوبز لأول مرة بخطورة الموقف فصرخ في وجه موظفه و طلب منه ألا يتكلم عن الماكنتوش في وجود جيتس. ستيف جوبز كان محقا في تخوفاته لكن للأسف، فات الأوان و سنة واحدة كانت كافية لبيل جيتس حتى يعلن عن أول نظام تشغيل بمعنى الكلمة.
و بأعجوبة تمكنت أجهزة الـ PC من تدارك تأخرها في مجال أنظمة التشغيل، الفأرة، الأيقونات، النوافذ، الملفات، شريط المهام، قارئ الأقراص المرنة، كل ما له علاقة بالماكنتوش ظهر في نسخة مقلدة و بسعر أقل بكثير من جهاز أبل الذي وصل سعره حينها إلى 2638 $ مقابل 99 $ للويندوز 1.0 و الفرق بين مايكروسوفت و أبل، هو أن مع مايكروسوفت لست بحاجة إلى تطوير نظامك الخاص أو شراء جهاز جديد لتحصل على التقنيات التي وصلت إليها أبل. و بمجرد سماعه الخبر السيء طلب ستيف جوبز من موظفيه المجيء ببيل جيتس، جيتس لم يتهرب و كان واثقا من نفسه و بمجرد دخوله إلى مكتب ستيف بدأ مؤسس أبل يصرخ في وجهه : “لقد خنتنا، لقد نقلت الماك، كيف يمكن أن نثق فيك بعد كل هذا…”، لكن جيتس لم يهتز لهذا و رد بكل هدوء : “لا أرى أي مشكل، فكلانا قلد Xerox، أنت دخلت من الباب و نحن من النافذة”.
و هكذا حلت الكارثة بأبل و لأول مرة منذ إنشائها، أحس الجميع أن شركة كوبرتينو في خطر حقيقي و كل الأنظار تصوب الآن نحو مؤسسها ستيف جوبز. و لم يكن أمام المدير التنفيذي (حينها) John Sculley إلا اتخاذ قرار عزل ستيف جوبز من شركة أبل.
رغم كون جوبز قائد رائع لشركة أبل، إلا أنه لم يكن محبوبا من بعض الموظفين الذين نظروا إليه كشخص متقلب الأوضاع، و بحلول منتصف العام 1985 بدأ صراع قوى داخل شركة أبل أدى في النهاية إلى قرار طرده من الشركة التي أسسها. هذا كان نتيجة لإنخفاض شديد في حجم مبيعات الشركة في العام الذي سبقه. علاقة جوبز كانت تسير في طريق مسدود مع Sculley و بالتالي قرر الأخير الإستغناء عن خدماته نهائيا. صحيح أن عزله من الشركة كان قرارا من الصعب هضمه، لكن ستيف جوبز ليس من النوع الذي يستسلم أمام أول عقبة بل بالعكس هذا دفعه إلى الأمام و واصل تألقه بتأسيسه شركتين جديدتين ستعيده إلى عصر النجاحات. و لم يخفي جوبز ذلك حيث قالها أمام طلاب جامعة ستانفورد في 2005 :
وقتها اجتمعنا مع أعضاء مجلس الإدارة وكانوا جميعهم في الصف معه (Sculley). طردت من الشركة التي أسستها و أنا بعمر الثلاثين. كل ما كنت أعمل عليه في مرحلة شبابي اختفى. بقيت شهور عديدة لم أعرف فيها ما أفعل [...] وقتها حاولت الهروب من وادي السيلكون. لكن شيئا ما بداخلي بدأ بالظهور ببطء، مازلت أحب ما أفعله [...]
كونه شخص مبدع و شغوف، كان من الصعب أن يقف ستيف مكانه دون طموح جديد، و أسس ستيف شركة NeXT Computer ليضيف إلى العالم تجارب جديدة كما كان يفعل مع أبل. الأجهزة التي قدمها ستيف من خلال NeXT كانت غالية الثمن، و ذلك بسبب التقنيات المتقدمة المدمجة فيها. في النهاية قام ستيف ببيع هذه الأجهزة على القطاع الأكاديمي و العلمي لأنهم ربما الوحيدين القادرين على توفير ثمنها.
لاحقا قام ستيف بتقديم مفهوم جديد ينوي به ثورة تقنية جديدة و هو “interpersonal” كمبيوتر. بإختصار شديد هي فكرة تتيح للناس التواصل فيما بينهم بحرية أكبر مما سبق. في وقتها كان البريد الإلكتروني يقتصر فقط على الحروف و النصوص، ثم قدمت NeXT فكرة دخول الصور المرئية و الصوتيات ضمن البريد الإلكتروني أي أن NeXT قدمت جهاز الإنترنت قبل 6 سنوات من ظهورها. و رغم هذا لم تستطع هذه الأخيرة التحليق في عالم المعلوماتية لتنتقل الشركة لاحقا للتركيز على البرمجيات فقط.
شركة Pixar :
الكثير منكم يعرف استوديو Pixar الشهير، فهو منتج فلم حكاية لعبة “Toy Story” من ديزني. قبل ذلك و تحديدا في 1986 كان الفريق جزئا من شركة Lucasfilm و قام ستيف جوبز بالإستحواذ عليه مقابل 10 مليون دولار و لم تكن Pixar تعني شيئا للعالم، قبل ظهور أول فلم كرتوني في العالم Toy Story بعد تسع سنوات من مجيء ستيف. الشركة الأصلية كان من المفترض أن تكون شركة لتصنيع الحواسيب المخصصة للجرافيكس، و لكنها توقفت بعد سنوات من “اللاربحية”، لتصبح لاحقا شركة لإنتاج الرسوم الكرتونية الحاسوبية بالتعاون مع ديزني التي ساعدت في تمويل مشاريعها.
بدأت Pixar في تحقيق نجاحات كبيرة بعد حكاية لعبة، و أصبحت مشهورة على النطاق العالمي بشكل كبير جدا. العقد مع ديزني شارف على الإنتهاء مع نهاية العام 2004، و ستكون خسارة كبيرة لديزني فقدان هذا الأستوديو الكبير. جوبز لم يستطع الإتفاق مع رئيس ديزني حينها و هو مايكل ايسنر، و بائت المفاوضات بالفشل في نهاية المطاف. لقد بدأ جوبز فعليا بالبحث عن طرف آخر ليتعاقد معه في نشر أفلام الأستوديو. في أكتوبر 2005 عين بوب ايجر مكان ايسنر في قيادة شركة ديزني، و بالتالي قام بوب بإستئناف المفاوضات فورا مع جوبز. هذه المفاوضات انتهت بإقتناء ديزني استوديو بكسار كاملا بشراء جميع أسهمه. المثير بالأمر أن هذا القرار أدى لوصول جوبز الى مكانه كبيرة في ديزني، و هي تحول جوبز بعد الصفقة إلى المالك لأكبر نسبة من أسهم ديزني، بنسبة 7% من أسهم الشركة. حتى روي من عائلة ديزني لا يملك أكثر من 1% من أسهم الشركة. جوبز بهذا أصبح جزءا من مجلس إدارة شركة ديزني، و أصبح يدير أعمال رسوم ديزني و علاقاتها مع الأستوديوهات المختلفة.
عودة ستيف جوبز و أبل :
نحن إذا في عام 1997، و خلال هذه الفترة كانت أبل في انهيار مستمر و واصلت مايكروسوفت التهامها لحصص الأخيرة حتى وصلت حصة بيل جيتس من سوق أنظمة التشغيل إلى نسبة 97 %، و لم يستقر المجلس الإداري قبل رجوع جوبز على مدير معين، و تعاقب على المنصب العديد من المدراء التنفيذيين آخرهم كان جيلبرت أميريو “Gilbert Amerio” والذي بدوره لم يجد حلاً لإنقاذ الشركة غير إعادة مؤسسها ستيف جوبز حيث دعاه للإنضمام لمجلس الإدارة وتعينه كمستشار للشركة في عام 1995، بعد أن استحوذت أبل على شركة نكست بقيمة 400 مليون دولار، و في 1996 نشرت مجلة Business Week مقالة تنبأت فيه بسقوط أبل و عنونت على غلافها “انهيار رمز أمريكي”، بعدها بسنة أي في 1997 تم تعين ستيف جوبز رئيساً تنفيذياً مؤقتاً، وفي يناير 2000 تم تعين ستيف جوبز رئيساً تنفيذياًً دائماً للشركة حيث كان يملك 30 مليون سهم حينها.و من الواضح أن جوبز استغل فترة غيابه عن الشركة لإعداد مخطط الإنقاذ، حيث أنه و مباشرة بعد عودته في 1997 قرر الرجل الذهبي عقد مؤتمر ضخم على الطريقة الهوليودية لعرض مشروعه، مؤتمر Macworld بمدينة بوسطن سنة 1997. الكل كان في الموعد في انتظار مفاجئات ستيف، الذي لم يخيب آمال الحضور بالإعلان عن شراكة (تخيلوا مع من ؟)، مايكروسوفت لا ليس مزحة بما أن الحضور اعتبرها كذلك لكن جوبز لم يعودنا على المزاح في أمور تتعلق بالمنافسة، ليس هذا فقط بل كان مديرها التنفيذي بيل جيتس “الخائن” كما وصفه عشاق التفاحة كان أيضا حاضرا في القاعة مباشرة عبر الأقمار الصناعية، ليؤكد شخصيا هذه العلاقة الجديدة بين شركتي أبل و مايكروسوفت و أهم ما جاء فيها : تزويد الماكنتوش ببرنامج الأوفيس، اعتماد متصفح Internet Explorer كالمتصفح الإفتراضي للنظام و تقديم صك قيمته 150 مليون يورو لأبل
و بعد أن أوضح رؤيته المستقبلية للعودة بأبل إلى المنافسة، انطلق رجلنا مباشرة في مشروع جديد سيطلق عليه إسم iMac لكن عليه أولا إيجاد التصميم المناسب لجهازه الجديد الذي سيذهل العالم مرة أخرى، و هنا سيكتشف بين أروقة الشركة مستقبل أبل صاحب تصاميم أجهزة أبل الرائعة (الأيفون، الأيباد، الأيبود، الماك بوك…) إنه البريطاني، جوناثان إيف “Jonathan Ive” (نائب رئيس قسم التصميم الحالي) الشاب صاحب الـ 25 عاما، فبعدما أذهل رئيسه بتصميم جهاز الـ iMac بألوانه الرائعة، لم يتردد جوبز حينها في تبني ذلك التصميم. و بعد عام فقط و في 1998 حان وقت الإعلان عن جهاز أبل الجديد، الذي سيعود بقوة إلى المنازل الأمريكية و يحقق أرباحا مريحة للشركة لكن الكمبيوتر لم يثير إعجاب الشركات بما أن الويندوز كان أكثر تطورا من الناحية البرمجية بالإضافة إلى توفر برامج تدعم هذا الأخير أكثر من الماكنتوش.
جوبز لديه مشروع آخر على الورق، يريد المنافسة في مجال جديد و لهذا فهو بحاجة مرة أخرى إلى جوناثان إيف الذي سيكلفه بمهمة تصميم جهازه القادم، الأيبود ذلك الجهاز الصغير بالتصميم الغير مألوف و الذي بإمكانه تخزين كم هائل من مقاطعك الموسيقية (1000 مقطع موسيقي في جيبك، كما جاء في الإعلان)، و هو باختصار أفضل مشغل موسيقى في بداية القرن الـ 21. و في 23 أكتوبر 2001 أعلنت أبل عن جهازها “الثوري” الجديد، في 3 نوفمبر 2001 ظهرت أول نسخة لبرنامج iTunes الشهير على موقع الشركة لإدارة ملفاتك المنقولة نحو مشغل الموسيقى، أسبوع واحد بعد ذلك أولى نسخ الأيبود تظهر لأول مرة على السوق. الجهاز يحمل 5 Go من حجم التخزين، الشحن و نقل البيانات تتم عبر FireWire و متوافق مع أجهزة أبل فقط (Mac OS 9 و Mac OS X مع iTunes 2.0) ثم مع الويندوز في 2002. في 2010 أبل تسيطر على سوق مشغلي الموسيقى، 275 مليون جهاز تم بيعه من أبل منذ انطلاقته، و في 2009 اعترف Eli Harari المدير التنفيذي لشركة SanDisk بفوز أبل في هذا المجال قائلا : “لا يمكننا إزاحة الأيبود”.
طموح جوبز لم يتوقف هنا بل سيقتحم مجالا جديدا بالنسبة لشركته و طبعا مع مصممه المدلل، جوناثان إيف الذي سيصمم مرة أخرى جهازا سيلقى نجاحا باهرا حتى يومنا هذا، هاتف الأيفون الذكي بأول شاشة لمس و الذي اكتشفه العالم في 9 يناير 2007، مجلة Time وصفته باختراع السنة، في 2008 أعلن ستيف جوبز عن تطبيقات الأيفون. اليوم تنوي أبل إصدار النسخة الخامسة من هاتفها و الذي من المتوقع أن يصدر قبل شهر أكتوبر القادم، بعد أن أعلنت عن تخطيها حاجز 100 مليون هاتف في حجم مبيعات الهاتف خلال المؤمر الذي عقدته في مارس 2011.
و نواصل مع إبداعات ستيف جوبز الذي وجه اهتماماته منذ 2001 إلى الأجهزة المحمولة، مقدما لنا بذلك طريقة جديدة للتناغم بين الإنسان و الأجهزة الإلكترونية. أعلنت أبل عن جهازها الجديد و الأول من نوعه في 27 يناير 2010، ليسوق في 30 أبريل من نفس السنة بالولايات المتحدة محققا مبيعات وصلت إلى 3 مليون نسخة في 80 يوم فقط. 2 مارس 2011 أعلن جوبز عن النسخة الثانية من الأيباد رغم عطلته المرضية التي أعلن عنها في 11 يناير 2011، ليكون موعد التسويق في 11 مارس بالولايات المتحدة. حقق الأيباد 2 مبيعات وصلت إلى 15 مليون نسخة في 9 أشهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق