في خضم أحداث الربيع العربي التي تشتد في سوريا و تقطف ثمارها في تونس و مصر .
.. تتراءى لي الثورة في اليمن تترنح بين الشدة والقطاف.
فبينما تولد حكومة أريد لها اسم حكومة الوفاق الوطني على إثر توقيع المبادرة الخليجية التي أعيت طارحيها
, لا يكل الثائرون في الشوارع من الهتاف «ارحل..ارحل».
ما شدني في المشهد اليمني من خلال تناولي لتطوراته في جل الحوارات
التي أجريتها مع محللين ومهتمين بالشأن, أو متابعتي لما جادت به الفضائيات الإخبارية,
هي تلك الروح المسالمة التي يتمسك بها ساكنو الميادين وأسلحتهم لا تغادر أغمادها,
فلا يختلف اثنان في قبلية المجتمع اليمني وتسلحه عن بكرة أبيه, وكان مما أثير عنه يوم انتفض,
منذ أكثر من تسعة شهور أن حربا أهلية ضروس تنتظر تمزيقه , لكن سرعان ما سقطت تلك
التوقعات في البحر وأكلها الحوت , فالمحتجون إلى اليوم يقفون كالجسد الواحد, لم تنهشه
في استفزاز إلا اعتداءات الحرس الجمهوري , و لم تزده صلابة إلا سواد حشود النسوة,
في مشهد لم أعهد رؤيته في دول الخليج العربي
, لكنه استطاع أن يفتك جائزة نوبل للسلام في لفتة
غربية كشفت عجزنا في تقدير أكثر الثورات العربية سلمية على الإطلاق
, لأنني أكاد أجزم أن الثورات في تونس ومصر كانت ستؤول مآل الأمور في ليبيا لو كان الشعب مسلحا.
وأمام هذا التقصير يراودني أن الثورة اليمنية قد ظلمت عربيا وطبق عليها نوع من التعتيم صدفة أو عمدا
, بدءا من جيرانها ممن سعوا إلى صياغة الحلول التي فصلت تفصيلا على مقاس
السيد صالح وأهملت حقوق الحشود التي كانت المحرك الأساسي للوضع برمته,
وإذا ما فرضنا أن الحسابات السياسية التي تقف وراءها المصالح, هي التي حددت
بنود مبادرة الحل فإن الجلي أن أكبر مصلحة لتلك الدول هو عدم إطالة الأزمة في المنطقة
و عدم الإتيان بحلول عرجاء تخدم طرف على حساب طرف ولا تحتوي على رؤية
شاملة ووافية لكل جوانب الأزمة, وفي نفس السياق أرمي باللائمة على شباب
الثورة اللذين لم يقودوا ثورتهم في أروقة السياسة كما فعلوا في شوارع صنعاء
و تعزو صعده , وتركوا فراغا لم تملأه أحزاب اللقاء المشترك التي أثبتت عجزها من
قبل في مواجهة رئيس يملك العديد من الأوراق عنها و يهش متى شاء بفزاعة اسمها
القاعدة تارة والحوثيون تارة أخرى , وبين هاجس التقسيم والحرب الأهلية ومدى
صمود المبادرة الخليجية في التنفيذ , تبقى الثورة اليمنية في واقع الأمر مترنحة
بين هذا و ذاك حتى إشعار آخر .
*صحفية ومذيعة جزائريــة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق